ماي بصمة عار في جبين فرنسا الاستدمارية
مجازر 8 ماي 1945 الدماء التي مهدت للاستقلال
سطيف عاصمة 8 ماي 45 لن تنسى لك جرائمك يا فرنسا
يحمل يوم 8 ماي من كل سنة العديد من المعاني لدى كل الجزائريين، حيث يحمل من جهة عمق معاناة الشعب الجزائري من ظلم الاستدمار الفرنسي الذي جثم على البلاد لأكثر من 130 سنة ، كما يرمز أيضا للتضحيات الكبيرة التي قدمت على مذبح الحرية و الاستقلال... هذه هي ذكرى 8 ماي بالنسبة لكل الجزائريين.
لعل التاريخ يثبت أن هذا التاريخ بالذات هو النقطة التي أفاضت الكأس حيث تيقن الجزائريون أن الاستعمار الفرنسي لا يفهم لغة الحوار و المظاهرات السلمية بل لم يتقبل حتى فكرة أن سكان الجزائر جزائريون، و أن كل وعوده و شعاراته بالعدالة و المساواة والأخوة هي مجرد شعارات كاذبة، ليستبيح بها خيرات هذه الأرض الطيبة، و ليؤكد بهذه المجزرة التي تعد نقطة سوداء في جبين فرنسا الغاشمة أن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة، و كانت هي النقطة التي مهدت للثورة التحريرية بطريقة أو طريقة أخرى، فرحمة الله على شهداء الجزائر و شهداء سطيف، خراطة، قالمة.
وضعية الجزائر قبل 8 ماي... حلم بالعدالة و المساواة
كانت الجهود مبذولة بين أعضاء أحباب البيان والحرية لتنسيق العمل وتكوين جبهة موحدة، وكانت هناك موجة من الدعاية انطلقت منذ جانفي 1945 تدعوا الناس إلى التحمس لمطالب البيان. وقد انعقد مؤتمر لأحباب البيان أسفرت عنه المطالبة بإلغاء نظام البلديات المختلطة والحكم العسكري في الجنوب وجعل اللغة العربية لغة رسمية، ثم المطالبة بإطلاق سراح مصالي الحاج.
وقد أدى هذا النشاط الوطني إلى تخوف الفرنسيين وحاولوا توقيفه عن طريق اللجان التي تنظر إلى الإصلاح، وكان انشغالهم بتحرير بلدهم قد أدى إلى كتمان غضبهم وظلوا يتحينون الفرص بالجزائريين وكانوا يؤمنون بضرورة القضاء على الحركة الوطنية، و كان زعماء الحركة الوطنية يحضرون إلى الاحتفال بانتصار الحلفاء على النازية، عن طريق تنظيم مظاهرات تكون وسيلة ضغط على الفرنسيين بإظهار قوة الحركة الوطنية ووعي الشعب الجزائري بمطالبه، وعمت المظاهرات كل القطر الجزائري في أول ماي 1945، و نادى الجزائريون بإطلاق سراح مصالي الحاج، واستقلال الجزائر واستنكروا الاضطهاد ورفعوا العلم الوطني، وكانت المظاهرات سلمية.وادعى الفرنسيون أنهم اكتشفوا (مشروع ثورة) في بجاية خاصة لما قتل شرطيان في الجزائر العاصمة، وبدأت الاعتقالات والضرب وجرح الكثير من الجزائريين.
ولما أعلن عن الاحتفال الرسمي يوم 7 ماي، شرع المعمرون في تنظيم مهرجان الأفراح، ونظم الجزائريون مهرجانا خاصا بهم ونادوا بالحرية والاستقلال بعد أن تلقوا إذنا من الإدارة الفرنسية للمشاركة في احتفال انتصار الحلفاء.
8 ماي تاريخ ينحني له التاريخ
مجازر 8 ماي1945، تاريخ ينحني له التاريخ، و تسجله الذاكرة بكثير من الفخر و كثير من الخجل... فخر بالأوراسيين الجزائريين الذين رفعوا يومها راية بلدهم على مقابر 45 آلف شهيد أبادتهم آلة المستعمر ببشاعة حين خرجوا يومها في عدد من ولايات شرق الجزائر في مسيرة سلمية للمطالبة بحريتهم ليشهد العالم واحدة من أعظم حكايا الثورات، و التي نتوقف اليوم و ككل سنة لنتذكر ونعتبر.
خرج الجزائريون في مظاهرات 8 ماي 1945 ليعبروا عن فرحتهم بانتصار الحلفاء، وهو انتصار الديمقراطية الدكتاتورية، وعبروا عن شعورهم بالفرحة وطالبوا باستقلال بلادهم وتطبيق مبادئ الحرية التي رفع شعارها الحلفاء طيلة الحرب العالمية الثانية، وكانت مظاهرات عبر الوطن كله وتكثفت في مدينة سطيف التي هي المقر الرئيسي لأحباب البيان والحرية، ونادوا في هذه المظاهرات بحرية الجزائر واستقلالها.
مظاهرات 8 ماي كانت نابعة من عمق التفكير الجزائر المؤمن بضرورة الحياة الكريمة و العدل و المساواة ، مسيرات و مظاهرات شملت تقريبا كل أرجاء الوطن... لكن أبرزها كان في سطيف و قالمة و خراطة، و هنا نطرح السؤال لماذا... لأن فرنسا الغاشمة نكلت بسكان هذه المناطق أشد تنكيل، قتلت الآلاف من شبان و شيوخ و نساء الجزائر، أحرقتهم عذبتهم قنصتهم بل توصلت بهم الدناءة الى رميهم من سفوح الجبال و الوديان و لعل منطقة " شعبة الآخرة" بخراطة أكبر دليل على همجية فرنسا، و التي سماها السكان بهذه التسمية لأن الآلاف من الجزائريين كانت آخرتهم بهذه الوديان الموحشة.
الأوريسيا ( سطيف) .... صانعة المجد و التاريخ
ستظل البلدة الصغيرة "الأوريسيا" (10 كلم شمال مدينة سطيف) والتي لم تكن سوى ضيعة منسية أكثر تعلقا على مر الأيام بذاكرة الكفاح التحرري بعد مرور 65 سنة على ذلك القمع الوحشي الدموي الذي سلط على مظاهرات 8 ماي 1945، ووعيا منهم بأهمية تواصل تذكر التضحيات الكبيرة من أجل تحرر الشعب الجزائري و ثورات أحداثها من قبل الأجيال الجديدة ما يزال شهود العيان النادرين على ما جرى في يوم 8 ماي 1945 يلتقون بانتظام بالمقر الذي تتقاسمه قسمة المجاهدين بالأوريسيا مع المكتب المحلي لمنظمة أبناء الشهداء و الذي يضم مجموعة جد هامة من الصور الفوتوغرافية و الوثائق و رؤوس الأقلام المستقاة لدى العديد من المصادر حول مسارات مناضلين و مجاهدين و كذا مراكز تموين جيش التحرير الوطني و بقايا تجهيزات الجيش الفرنسي.
و يكاد المقر المذكور يأخذ شكل متحف حقيقي للحركة الوطنية و حرب التحرير كثمرة مجهود مشترك بذله محليا مجاهدو وأبناء شهداء من أجل الحفاظ على الذاكرة المحلية بالأوريسيا التي تفتخر في المقام الأول بكونها مسقط رأس سعال بوزيد أول شهداء الثامن ماي 1945 و الذي قتل بدم بارد بمدينة سطيف بعدما تجرأ على حمل العلم الوطني على رأس مسيرة سلمية، كما تضم الأوريسيا أسماء أبطال لن ينساهم التاريخ و سكان المنطقة ككل لعل أبرزهم الإخوة بوضياف... 5 أخوة استشهدوا في يوم واحد في سبيل الجزائر و في سبيل الحرية و في مظاهرات 8 ماي.
سعال بوزيد ... رمز شهداء 8 ماي و ابن سطيف البار
ولد الشهيد سعال بوزيد في اليوم التاسع من شهر جانفي عام 1919 في قرية الزايري بلدية الأوريسيا ولاية سطيف، ابن أحمد و نوارة مهدي، نشأ في وسط عائلة بسيطة، حيث كان أبوه فلاحا وأمه ماكثة في البيت.
تعلم القراءة في المدرسة القرآنيـــة في مسقط رأسه، وبعد وفاة الأب انتقلت العائلة إلى مدينة سطــيف ، وهنا اضطرت الأم أن تبحث عن عمل في بيوت المستعمرين لإعالة أولادها. في ذلك الوقت كان سعال بوزيد يبلغ من العمر 15 سنة، فعمل برحي القهوة عند أحد المستعمـرين رغبة في مساعدة أمه، ثم انخرط في صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية (فوج الحياة)، فكان نعم الفتى، أدب وحنان وقلة كلام، ينهض باكرا يصلي الفجر في المسجد ولا يرجع إلا في ساعات متأخرة من الليل وعندما تسأله أمه يقبل رأسها ويقول: لا تقلقي، فإن سقطت شهيدا فزغردي لي.
في يوم السابع ماي 1945، كان سعال بوزيد قد علق العلم الوطني في "علي صفالو"، وفي اليوم التالي نهض بوزيد باكرا، صلى الفجر، غير لباسه وارتدى بذلة نظيفة وذهب إلى الحلاق وبعدها اتجــه إلى مسجـــــد المحطة " حاليا" للمشاركـــة في المســــيرة التي تكون في هذه الصبيحة احتفالا بانتصار الحلفاء على النازية والفاشية والمطالبة بإطلاق سراح المساجين من الوطنين، وفي المسيرة ظهرت لافتات تحمل شعار "الجزائر حرة" "إطلاق صراح مصالي الحاج"، ورفع العلم الوطني لأول مرة.
هنا تدخلت الشرطة الفرنسية وتقدم أحد المفتشين وأمر بوزيد برمي العلم لكنه رفض هذا الأمر مما جعل المفتش يخرج مسدسه ويطلق عليه الرصاص، وبمجرد إطلاق النار بدأت النساء تزغــردن وأسرع الجمهور الذي أحتشد لنقل بوزيـد إلى المستشفى لكن شاءت الأقدار أن تلفظ أنفاسه الأخيرة هناك، كانت هذه هي نهاية حياة الشهيد سعال بوزيد رحمه الله.
قالمة تتذكر المأساة.. 18 ألف شهيد في يوم واحد
أكثر من 18ألف شهيد أحصتهم ولاية قالمة(500كلم شرق العاصمة) يومها في أكثر من 11 موقعا بوسط المدينة و بلخير و بومهرة و هيليوبوليس وواد شحم و لخزارة و من بين تلك الأماكن توجد "محرقة " حقيقية عبارة عن فرن لصناعة الجبس كان يمتلكه أحد المعمرين بمنطقة هيليوبوليس اسمه " لافي" تحرق فيه جثث الأبرياء الذين يقتلهم بوليس المستعمر بقالمة والمناطق المجاورة لإخفاء آثار الجرم و ذلك حسب النتائج التي توصل إليها الناشطون في كشف ملابسات تلك المجزرة.
ومن بين المواقع الشاهدة على بشاعة تلك المجازر، الثكنة القديمة بوسط مدينة قالمة، في أول انزلاق حقيقي لبوليس المستعمر في عملية التصفية الجماعية لنشطاء الحركة الوطنية يوم 11 ماي45 أين تم إعدام جماعي ل9 مواطنين شاركوا في مسيرة 8 ماي.
وهو ما تأكده وثيقة رسمية عبارة عن مراسلة من قائد الفرقة المتنقلة بقالمة المدعو " بويسون" إلى مدير الأمن العام للجزائر يوم 23 ماي 1945 يخبره فيها أن عملية إعدام المشاركين في المسيرة قد تم رميا بالرصاص مرفوقة بأسماء الشهداء ورتسي مبروك، إسماعيل عبده وأخوه علي، شرفي مسعود، بن صويلح عبد الكريم، دواورية حميد، بلعزوق محمد، أومرزوق محمد.
كان الرد القمعي على المظاهرات السلمية التي نظمها الجزائريون هو ارتكاب مجازر 8 ماي 1945، وذلك بأسلوب القمع والتقتيل الجماعي واستعملوا فيه القوات البرية والجوية والبحرية، ودمروا قرى و مداشر و دواوير بأكملها. ونتج عن هذه المجازر قتل أكثر من 45000 جزائري، دمرت قراهم وأملاكهم عن آخرها، ووصلت الإحصاءات الأجنبية إلى تقديرات أفظع بين 50000 و70000 قتيل من المدنيين العزل فكانت مجزرة بشعة على يد الفرنسيين الذين كثيرا ما تباهوا بالتحضر والحرية والإنساني.
سطيف عاصمة 8 ماي 45 لن تنسى لك جرائمك يا فرنسا
"سطيف عاصمة 8 ماي 45 لن تنسى لك جرائمك يا فرنسا " جملة قالتها لنا البرعمة سندس طفلة في السنة الثامنة من العمر، لم تعرف مجازر 8 ماي و لم تكن شاهدة عليها، لكن كل عجائز و شيوخ مدينة سطيف يسردون حكاية 8 ماي 45 على الأحفاد و يروون حكاية البطل "سعال بوزيد" و يبكون على أرواح الشهداء التي راحت في سبيل الحرية، هذه هي مدينة سطيف يا فرنسا الغاشمة، مدينة سطيف التي أخذت أرواح أبنائها غدرا لا لشيء سوى أنهم طالبوا بالعدل و المساواة و الأخوة، مدينة عين الفوارة التي تفرجت كل عيونها في ذاك اليوم دماء و دموعا حزنا على أولادها، مدينة الشهداء رغما عنك يا فرنسا فكل شارع من شوارعها يحمل في طياته شهيدا للحرية... ببساطة لن ننسى جرائمك يا فرنسا و لن ينسى كل جزائري أصيل ما قمت به طيلة 130 سنة... لن نسامح، و لن نصادق، بل سيأتي اليوم الذي نحاسبك فيه و ننتقم لأرواح الشهداء.
مدينة سطيف تستحق بكل فخر أن تكون عاصمة الثامن من ماي نظرا للتضحيات الجسيمة التي قدمتها على مذبح الحرية، مدينة سطيف تفتخر بأن تكون بيت الشهداء و منزل سعال بوزيد، مدينة سطيف تفخر بأن تكتب تاريخ الجزائر بدماء أبنائها، مدينة الشهداء تفتخر بالاحتفال بالأرواح الزكية، مدينة التاريخ تفتخر بالانتماء الى جزائر التطور و النمو و تحتفل بخمسينية الاستقلال.
رغم كل ألامنا إلا أننا كجزائريين نفتخر بالانتماء الى بلد الميلون و نصف مليون شهيد، شغلنا الورى و ملأنا الدنى، بشعر نرتله كالصلاة، تسابيحه من حنايا الجزائر، و شعرنا كان رصاصا قسم ظهرك يا فرنسا، نحن جيل الاستقلال نقول بأننا لا زلنا صامدين لا زلنا مؤمنين بجزائرنا و على درب الشهداء سائرون.
عبد الرؤوف حموش
مجازر 8 ماي 1945 الدماء التي مهدت للاستقلال
سطيف عاصمة 8 ماي 45 لن تنسى لك جرائمك يا فرنسا
يحمل يوم 8 ماي من كل سنة العديد من المعاني لدى كل الجزائريين، حيث يحمل من جهة عمق معاناة الشعب الجزائري من ظلم الاستدمار الفرنسي الذي جثم على البلاد لأكثر من 130 سنة ، كما يرمز أيضا للتضحيات الكبيرة التي قدمت على مذبح الحرية و الاستقلال... هذه هي ذكرى 8 ماي بالنسبة لكل الجزائريين.
لعل التاريخ يثبت أن هذا التاريخ بالذات هو النقطة التي أفاضت الكأس حيث تيقن الجزائريون أن الاستعمار الفرنسي لا يفهم لغة الحوار و المظاهرات السلمية بل لم يتقبل حتى فكرة أن سكان الجزائر جزائريون، و أن كل وعوده و شعاراته بالعدالة و المساواة والأخوة هي مجرد شعارات كاذبة، ليستبيح بها خيرات هذه الأرض الطيبة، و ليؤكد بهذه المجزرة التي تعد نقطة سوداء في جبين فرنسا الغاشمة أن ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة، و كانت هي النقطة التي مهدت للثورة التحريرية بطريقة أو طريقة أخرى، فرحمة الله على شهداء الجزائر و شهداء سطيف، خراطة، قالمة.
وضعية الجزائر قبل 8 ماي... حلم بالعدالة و المساواة
كانت الجهود مبذولة بين أعضاء أحباب البيان والحرية لتنسيق العمل وتكوين جبهة موحدة، وكانت هناك موجة من الدعاية انطلقت منذ جانفي 1945 تدعوا الناس إلى التحمس لمطالب البيان. وقد انعقد مؤتمر لأحباب البيان أسفرت عنه المطالبة بإلغاء نظام البلديات المختلطة والحكم العسكري في الجنوب وجعل اللغة العربية لغة رسمية، ثم المطالبة بإطلاق سراح مصالي الحاج.
وقد أدى هذا النشاط الوطني إلى تخوف الفرنسيين وحاولوا توقيفه عن طريق اللجان التي تنظر إلى الإصلاح، وكان انشغالهم بتحرير بلدهم قد أدى إلى كتمان غضبهم وظلوا يتحينون الفرص بالجزائريين وكانوا يؤمنون بضرورة القضاء على الحركة الوطنية، و كان زعماء الحركة الوطنية يحضرون إلى الاحتفال بانتصار الحلفاء على النازية، عن طريق تنظيم مظاهرات تكون وسيلة ضغط على الفرنسيين بإظهار قوة الحركة الوطنية ووعي الشعب الجزائري بمطالبه، وعمت المظاهرات كل القطر الجزائري في أول ماي 1945، و نادى الجزائريون بإطلاق سراح مصالي الحاج، واستقلال الجزائر واستنكروا الاضطهاد ورفعوا العلم الوطني، وكانت المظاهرات سلمية.وادعى الفرنسيون أنهم اكتشفوا (مشروع ثورة) في بجاية خاصة لما قتل شرطيان في الجزائر العاصمة، وبدأت الاعتقالات والضرب وجرح الكثير من الجزائريين.
ولما أعلن عن الاحتفال الرسمي يوم 7 ماي، شرع المعمرون في تنظيم مهرجان الأفراح، ونظم الجزائريون مهرجانا خاصا بهم ونادوا بالحرية والاستقلال بعد أن تلقوا إذنا من الإدارة الفرنسية للمشاركة في احتفال انتصار الحلفاء.
8 ماي تاريخ ينحني له التاريخ
مجازر 8 ماي1945، تاريخ ينحني له التاريخ، و تسجله الذاكرة بكثير من الفخر و كثير من الخجل... فخر بالأوراسيين الجزائريين الذين رفعوا يومها راية بلدهم على مقابر 45 آلف شهيد أبادتهم آلة المستعمر ببشاعة حين خرجوا يومها في عدد من ولايات شرق الجزائر في مسيرة سلمية للمطالبة بحريتهم ليشهد العالم واحدة من أعظم حكايا الثورات، و التي نتوقف اليوم و ككل سنة لنتذكر ونعتبر.
خرج الجزائريون في مظاهرات 8 ماي 1945 ليعبروا عن فرحتهم بانتصار الحلفاء، وهو انتصار الديمقراطية الدكتاتورية، وعبروا عن شعورهم بالفرحة وطالبوا باستقلال بلادهم وتطبيق مبادئ الحرية التي رفع شعارها الحلفاء طيلة الحرب العالمية الثانية، وكانت مظاهرات عبر الوطن كله وتكثفت في مدينة سطيف التي هي المقر الرئيسي لأحباب البيان والحرية، ونادوا في هذه المظاهرات بحرية الجزائر واستقلالها.
مظاهرات 8 ماي كانت نابعة من عمق التفكير الجزائر المؤمن بضرورة الحياة الكريمة و العدل و المساواة ، مسيرات و مظاهرات شملت تقريبا كل أرجاء الوطن... لكن أبرزها كان في سطيف و قالمة و خراطة، و هنا نطرح السؤال لماذا... لأن فرنسا الغاشمة نكلت بسكان هذه المناطق أشد تنكيل، قتلت الآلاف من شبان و شيوخ و نساء الجزائر، أحرقتهم عذبتهم قنصتهم بل توصلت بهم الدناءة الى رميهم من سفوح الجبال و الوديان و لعل منطقة " شعبة الآخرة" بخراطة أكبر دليل على همجية فرنسا، و التي سماها السكان بهذه التسمية لأن الآلاف من الجزائريين كانت آخرتهم بهذه الوديان الموحشة.
الأوريسيا ( سطيف) .... صانعة المجد و التاريخ
ستظل البلدة الصغيرة "الأوريسيا" (10 كلم شمال مدينة سطيف) والتي لم تكن سوى ضيعة منسية أكثر تعلقا على مر الأيام بذاكرة الكفاح التحرري بعد مرور 65 سنة على ذلك القمع الوحشي الدموي الذي سلط على مظاهرات 8 ماي 1945، ووعيا منهم بأهمية تواصل تذكر التضحيات الكبيرة من أجل تحرر الشعب الجزائري و ثورات أحداثها من قبل الأجيال الجديدة ما يزال شهود العيان النادرين على ما جرى في يوم 8 ماي 1945 يلتقون بانتظام بالمقر الذي تتقاسمه قسمة المجاهدين بالأوريسيا مع المكتب المحلي لمنظمة أبناء الشهداء و الذي يضم مجموعة جد هامة من الصور الفوتوغرافية و الوثائق و رؤوس الأقلام المستقاة لدى العديد من المصادر حول مسارات مناضلين و مجاهدين و كذا مراكز تموين جيش التحرير الوطني و بقايا تجهيزات الجيش الفرنسي.
و يكاد المقر المذكور يأخذ شكل متحف حقيقي للحركة الوطنية و حرب التحرير كثمرة مجهود مشترك بذله محليا مجاهدو وأبناء شهداء من أجل الحفاظ على الذاكرة المحلية بالأوريسيا التي تفتخر في المقام الأول بكونها مسقط رأس سعال بوزيد أول شهداء الثامن ماي 1945 و الذي قتل بدم بارد بمدينة سطيف بعدما تجرأ على حمل العلم الوطني على رأس مسيرة سلمية، كما تضم الأوريسيا أسماء أبطال لن ينساهم التاريخ و سكان المنطقة ككل لعل أبرزهم الإخوة بوضياف... 5 أخوة استشهدوا في يوم واحد في سبيل الجزائر و في سبيل الحرية و في مظاهرات 8 ماي.
سعال بوزيد ... رمز شهداء 8 ماي و ابن سطيف البار
ولد الشهيد سعال بوزيد في اليوم التاسع من شهر جانفي عام 1919 في قرية الزايري بلدية الأوريسيا ولاية سطيف، ابن أحمد و نوارة مهدي، نشأ في وسط عائلة بسيطة، حيث كان أبوه فلاحا وأمه ماكثة في البيت.
تعلم القراءة في المدرسة القرآنيـــة في مسقط رأسه، وبعد وفاة الأب انتقلت العائلة إلى مدينة سطــيف ، وهنا اضطرت الأم أن تبحث عن عمل في بيوت المستعمرين لإعالة أولادها. في ذلك الوقت كان سعال بوزيد يبلغ من العمر 15 سنة، فعمل برحي القهوة عند أحد المستعمـرين رغبة في مساعدة أمه، ثم انخرط في صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية (فوج الحياة)، فكان نعم الفتى، أدب وحنان وقلة كلام، ينهض باكرا يصلي الفجر في المسجد ولا يرجع إلا في ساعات متأخرة من الليل وعندما تسأله أمه يقبل رأسها ويقول: لا تقلقي، فإن سقطت شهيدا فزغردي لي.
في يوم السابع ماي 1945، كان سعال بوزيد قد علق العلم الوطني في "علي صفالو"، وفي اليوم التالي نهض بوزيد باكرا، صلى الفجر، غير لباسه وارتدى بذلة نظيفة وذهب إلى الحلاق وبعدها اتجــه إلى مسجـــــد المحطة " حاليا" للمشاركـــة في المســــيرة التي تكون في هذه الصبيحة احتفالا بانتصار الحلفاء على النازية والفاشية والمطالبة بإطلاق سراح المساجين من الوطنين، وفي المسيرة ظهرت لافتات تحمل شعار "الجزائر حرة" "إطلاق صراح مصالي الحاج"، ورفع العلم الوطني لأول مرة.
هنا تدخلت الشرطة الفرنسية وتقدم أحد المفتشين وأمر بوزيد برمي العلم لكنه رفض هذا الأمر مما جعل المفتش يخرج مسدسه ويطلق عليه الرصاص، وبمجرد إطلاق النار بدأت النساء تزغــردن وأسرع الجمهور الذي أحتشد لنقل بوزيـد إلى المستشفى لكن شاءت الأقدار أن تلفظ أنفاسه الأخيرة هناك، كانت هذه هي نهاية حياة الشهيد سعال بوزيد رحمه الله.
قالمة تتذكر المأساة.. 18 ألف شهيد في يوم واحد
أكثر من 18ألف شهيد أحصتهم ولاية قالمة(500كلم شرق العاصمة) يومها في أكثر من 11 موقعا بوسط المدينة و بلخير و بومهرة و هيليوبوليس وواد شحم و لخزارة و من بين تلك الأماكن توجد "محرقة " حقيقية عبارة عن فرن لصناعة الجبس كان يمتلكه أحد المعمرين بمنطقة هيليوبوليس اسمه " لافي" تحرق فيه جثث الأبرياء الذين يقتلهم بوليس المستعمر بقالمة والمناطق المجاورة لإخفاء آثار الجرم و ذلك حسب النتائج التي توصل إليها الناشطون في كشف ملابسات تلك المجزرة.
ومن بين المواقع الشاهدة على بشاعة تلك المجازر، الثكنة القديمة بوسط مدينة قالمة، في أول انزلاق حقيقي لبوليس المستعمر في عملية التصفية الجماعية لنشطاء الحركة الوطنية يوم 11 ماي45 أين تم إعدام جماعي ل9 مواطنين شاركوا في مسيرة 8 ماي.
وهو ما تأكده وثيقة رسمية عبارة عن مراسلة من قائد الفرقة المتنقلة بقالمة المدعو " بويسون" إلى مدير الأمن العام للجزائر يوم 23 ماي 1945 يخبره فيها أن عملية إعدام المشاركين في المسيرة قد تم رميا بالرصاص مرفوقة بأسماء الشهداء ورتسي مبروك، إسماعيل عبده وأخوه علي، شرفي مسعود، بن صويلح عبد الكريم، دواورية حميد، بلعزوق محمد، أومرزوق محمد.
كان الرد القمعي على المظاهرات السلمية التي نظمها الجزائريون هو ارتكاب مجازر 8 ماي 1945، وذلك بأسلوب القمع والتقتيل الجماعي واستعملوا فيه القوات البرية والجوية والبحرية، ودمروا قرى و مداشر و دواوير بأكملها. ونتج عن هذه المجازر قتل أكثر من 45000 جزائري، دمرت قراهم وأملاكهم عن آخرها، ووصلت الإحصاءات الأجنبية إلى تقديرات أفظع بين 50000 و70000 قتيل من المدنيين العزل فكانت مجزرة بشعة على يد الفرنسيين الذين كثيرا ما تباهوا بالتحضر والحرية والإنساني.
سطيف عاصمة 8 ماي 45 لن تنسى لك جرائمك يا فرنسا
"سطيف عاصمة 8 ماي 45 لن تنسى لك جرائمك يا فرنسا " جملة قالتها لنا البرعمة سندس طفلة في السنة الثامنة من العمر، لم تعرف مجازر 8 ماي و لم تكن شاهدة عليها، لكن كل عجائز و شيوخ مدينة سطيف يسردون حكاية 8 ماي 45 على الأحفاد و يروون حكاية البطل "سعال بوزيد" و يبكون على أرواح الشهداء التي راحت في سبيل الحرية، هذه هي مدينة سطيف يا فرنسا الغاشمة، مدينة سطيف التي أخذت أرواح أبنائها غدرا لا لشيء سوى أنهم طالبوا بالعدل و المساواة و الأخوة، مدينة عين الفوارة التي تفرجت كل عيونها في ذاك اليوم دماء و دموعا حزنا على أولادها، مدينة الشهداء رغما عنك يا فرنسا فكل شارع من شوارعها يحمل في طياته شهيدا للحرية... ببساطة لن ننسى جرائمك يا فرنسا و لن ينسى كل جزائري أصيل ما قمت به طيلة 130 سنة... لن نسامح، و لن نصادق، بل سيأتي اليوم الذي نحاسبك فيه و ننتقم لأرواح الشهداء.
مدينة سطيف تستحق بكل فخر أن تكون عاصمة الثامن من ماي نظرا للتضحيات الجسيمة التي قدمتها على مذبح الحرية، مدينة سطيف تفتخر بأن تكون بيت الشهداء و منزل سعال بوزيد، مدينة سطيف تفخر بأن تكتب تاريخ الجزائر بدماء أبنائها، مدينة الشهداء تفتخر بالاحتفال بالأرواح الزكية، مدينة التاريخ تفتخر بالانتماء الى جزائر التطور و النمو و تحتفل بخمسينية الاستقلال.
رغم كل ألامنا إلا أننا كجزائريين نفتخر بالانتماء الى بلد الميلون و نصف مليون شهيد، شغلنا الورى و ملأنا الدنى، بشعر نرتله كالصلاة، تسابيحه من حنايا الجزائر، و شعرنا كان رصاصا قسم ظهرك يا فرنسا، نحن جيل الاستقلال نقول بأننا لا زلنا صامدين لا زلنا مؤمنين بجزائرنا و على درب الشهداء سائرون.
عبد الرؤوف حموش